مداخل الشيطان على النفس
في معرفة مداخل الشيطان على النفس
وقطع الطرق عليها
إن للشيطان دخلاً في التأثير على النفوس - إلاّ من عصمه الله تعالى - والشيطان يأتي النفوس من خلال غرائزها وشهواتها الحسية والمعنوية وهو خبير بنقاط الضعف لدى الإِنسان، لذلك كان من وسائل تحصين النفس، وبالتالي من وسائل تزكية النفس، معرفة مداخل الشيطان على الإِنسان، ولذلك جعلنا هذا الفصل ههنا، قال الغزالي رحمه الله:
بيان تفصيل مداخل الشيطان إلى القلب
اعلم أنّ مثال القلب مثال حصن والشيطان عدوّ يريد أن يدخل الحصن فيملكه ويستولي عليه، ولا يقدر على حفظ الحصن من العدوّ إلا بحراسة الحصن ومداخله ومواضع ثُلَمِهِ، ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدري أبوابه فحماية القلب عن وسواس الشيطان واجبة وهو فرض عين على كل عبد مكلف، وما لا يُتَوصلُ إلى الواجب إلا به فهو أيضاً واجب، ولا يُتَوصَّلُ إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله فصارتْ معرفة مداخله واجبة. ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد وهي كثيرة، ولكنا نشير إلى الأبواب العظيمة الجارية مجرى الدروب التي لا تضيق عن كثرة جنود الشيطان.
فمن أبوابه العظيمة:
لغضب والشهوة، فإنّ الغضب هو غول العقل، وإذا ضعف جند العقل هجم جند الشيطان ومهما غضب الإِنسان لعب الشيطان به كما يلعب الصبي بالكرة.
ومن أبوابه العظيمة الحسد والحرص فمهما كان العبد حريصاً على كل شيء أعماه حرصه وأصمه إذ قال "حبك لشيء يُعمي ويصم" [أخرجه الترمذي] ونور البصيرة هو الذي يعرف مداخل الشيطان فإذا غطّاه الحسد والحرص لم يبصر فحينئذ يجد الشيطان فرصة فيحسّن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته وإن كان منكراً وفاحشاً.
ومن أبوابه العظيمة: الشبع من الطعام وإن كان حلالاً صافياً، فإنّ الشبع يقوّي الشهوات والشهوات أسلحة الشيطان.
ومن أبوابه: حب التزين من الأثاث والثياب والدار، فإن الشيطان إذا رأى ذلك غالباً على قلب الإِنسان باض فيه وفرخ، فلا يزال يدعوه إلى عمارة الدار وتزيين سقوفها وحيطانها وتوسيع أبنيتها ويدعوه إلى التزين بالثياب والدواب ويستسخره فيها طول عمره، وإذا أوقعه في ذلك فقد استغنى أن يعود إليه ثانية.
ومن أبوابه العظيمة: الطمع في الناس: لأنه إذا غلب الطمع على القلب لم يزل الشيطان يحبب إليه التصنع والتزين لمن طمع فيه بأنواع الرياء والتلبيس حتى يعود المطموع فيه كأنه معبوده فلا يزال يتفكر في حيلة للتودد والتحبب إليه ويدخل كل مدخل للوصول إلى ذلك. وأقل أحواله الثناء عليه بما ليس فيه والمداهنة له بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن أبوابه العظيمة: العجلة وترك التثبت في الأمور، قال : "العجلة من الشيطان والتأني من الله تعالى". [أخرجه الترمذي] وقال عز وجل: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] وقال تعالى: {وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولا}[الإسراء: 11] وقال لنبيه {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}[طه: 114] وهذا لأن الأعمال ينبغي أن تكون بعد التبصرة والمعرفة، والتبصرة تحتاج إلى تأمل وتمهل، والعجلة تمنع من ذلك، وعند الاستعجال يروّج الشيطان شره على الإِنسان من حيث لا يدري.
ومن أبوابه العظيمة: الدراهم والدنانير وسائر أصناف الأموال من العروض والدواب والعقار، فإن كل ما يزيد على قدر القوت والحاجة فهو مستقر الشيطان، فإن من معه قوته فهو فارغ القلب.
ومن أبوابه العظيمة: البخل وخوف الفقر، فإن ذلك هو الذي يمنع الإِنفاق والتصدق ويدعو إلى الادخار والكنز والعذاب الأليم وهو الموعود للمكاثرين كما نطق به القرآن العزيز.
ومن أبوابه العظيمة: التعصب للمذاهب والأهواء والحقد على الخصوم والنظر إليهم بعين الازدراء والاستحقار، وذلك مما يهلك العبّاد والفسّاق جميعاً فإن الطعن في الناس والاشتغال بذكر نقصهم صفة مجبولة في الطبع من الصفات السبعية، فإذا خيل إليه الشيطان أن ذلك هو الحق وكان موافقاً لطبعه غلبت حلاوته على قلبه فاشتغل به بكل همته، وهو بذلك فرحان مسرور يظن أنه يسعى في الدين وهو ساع في اتباع الشياطين.
ومن أبوابه حمل العوام الذين لم يمارسوا العلم ولم يتبحروا فيه على التفكر في ذات الله تعالى وصفاته وفي أمور لا يبلغها حدّ عقولهم حتى يشككهم في أصل الدين، أو يخيل إليهم في الله تعالى خيالات يتعالى الله عنها يصيرُ أحدهم بها كافراً أو مبتدعاً وهو به فرح مسرور مبتهج بما وقع في صدره، يظن ذلك هو المعرفة والبصيرة وأنه انكشف له ذلك بذكائه وزيادة عقله فأشدّ الناس حماقةً أقواهم اعتقاداً في عقل نفسه، وأثبت الناس عقلاً أشدهم اتهاماً لنفسه وأكثرهم سؤالاً من العلماء. قالت عائشة ا: قال رسول الله : "إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك؟ فيقول: الله تبارك وتعالى فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه". [متفق عليه].
ومن أبوابه سوء الظن بالمسلمين قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]